| 0 التعليقات ]

بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ الفقه الأسلامي
المقدمة

الحمد لله الذي أنزل علي عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا فأضاء للبشرية حنادث الظلماء وأحي موات النفوس وأوضح المنهج والسبيل ، والصلاة والسلام علي المصطفي المختار الذي دعي الناس إلي صراط العزيز الحميد ففتح الله به قلوبًا غلفًا وبصر به أعين عميًا وأسمع به أذانًا صمًا، ولم يقبضه إليه حتي أكمل له الدين وأتم به النعمة ومضي صلي الله عليه وسلم إلي ربه بعد أن تركنا علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، وأصلي وأسلم علي آله الأطهار وصحبه الأبرار الذين حفظ الله بهم هذا الدين فقد تحملوا الأمانة وأدوها لم يضيعوا منها شيئا ولم يكتموا منها أمرا ورضي الله عن التابعين وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين الذين فقهوا الكتاب والسنة وأقوال الصحابة الكرام وجاهدوا في سبيل حفظ الدين ونشره ، ثم أما بعد،
- فنشرع في تدارس موضوع تاريخ الفقه الأسلامي أو تاريخ التشريع الأسلامي ، وهي دراسة لفضيلة الدكتور / عمر الأشقر – حفظه الله تعالي .
- وهذا الكتاب في الفقه وأدواره التي مر بها يعطي القارئ تصورا حسنا إن شاء الله تعالي عن المسار الذي سلكه الفقه في تاريخه منذ نشأته عندما أنزل الله تعالي دينه علي رسوله محمد صلي الله عليه وسلم حتي يومنا هذا ، والمطلع علي تاريخ هذا العلم يزداد به بصيرة ويتسع أفقه ويعلم ما طرأ عليه في مختلف العصور.

- ونبدأ أولا بتعريف الفقه في اللغة و الأصطلاح ،
مدار الفقه في لغة العرب علي الفهم ، ومادة الفقه تستعمل في الفهم ، قال موسي عليه السلام ( وأحلل العقدة من لساني يفقهوا قولي ) أي يفهموه ، وعندما بعث الله شعيبا عليه السلام قال له قومه ( يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) أي لا نفهمه. وتقول العرب أوتي فلانا فقها في الدين ،أي فهما له ، وقال الله تعالي ( ليتفقهوا في الدين ) أي ليكونوا علماء به ، ودعي رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبن عباس رضي الله عنه ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل) يعني فهمه تأويله ومعناه، فإستجاب الله تعالي دعائه وكان أبن عباس من أعلم الناس في زمانه بكتاب الله تعالي فهو الحبر البحر ، وهو ترجمان القرآن.

- وتقول العرب، أوتي فلانا فقها في الدين ، أي فهما له ،
- قال أبن سيدة، فقه عني بالكسر أي فهم ، ويقال فقه عني ما بينته له إذا فهمه.
- وقال الأزهري، قال لي رجلا من كلاب وهو يصف لي شيئا فلما فرغ من كلامه قال ، أفقهت ؟ أي أفهمت.
- ورجل فقيه عالم ، وكل عالم بشئ فهو فيه فقيه ، وفقيه العرب أي عالم العرب
- وهذا التعريف كما جاء بلسان العرب يتضح منه أن العرب تفسر الفقه بالعلم كما تفسره بالفهم ، فالفقه علم وفهم.
- يقول الفيروز الأبادي ، الفقه بالكسر العلم بالشئ والفهم له.

- بعض الأصوليين رأي أن الفقه مغاير للعلم ، وقالوا أن الفقه هو جودة الذهن أي أن الفقه يعبر عن ملكة الذهن أي ان الفقه يعبر عن الملكة والإمكانيات العقلية والذهنية ونحو ذلك ، فهو جودة الذهن من جهة تهيأته لإقتناص كل ما يرد عليه من المطالب وإن لم يكن متصفا به ، والعلم عبارة عن صفة يحصل بها لنفس المتصف بها التمييز بين حقائق المعاني الكلية أصولا لا يتطرق إليه إحتمال نقيضه.
- والحقيقة ، أنه لا ينبغي أن يُعترض علي تفسير الفقه بالعلم ، بعد أن ثبت عن العرب تفسيره بذلك ، والعرب تقول للعلم فقها لأنه عن الفهم يكون ، فالأنسان لا يمكن أن يفقه إلا أذا فهم علي مذهب العرب في تسمية الشئ بما كان سببا له ، فالفهم يكون سببا في حصول العلم وهناك إرتباط فيما بين معني العلم والفهم في الفقه من حيث اللغة.

- وتفسير الفقه بالفهم يدلنا علي تعلق الفقه بالمعاني لا بالذوات ، فتقول فقهت الكلام أي فهمته ، لكن لا تقول فقهت الرجل بل تقول عرفت الرجل،

- ولا فرق عند العرب في كون المعني المراد فهمه واضحا أو خفيا فكله يدخل في دائرة الفقه – وخالف في ذلك أبو أسحاق المروزي فذهب إلي أن الفقه يدخل في فهم الأمور الخفية دون الواضحة الجلية – والصحيح أن الفقه هو مطلق الفهم نقلا عن العرب سواء فيما دق أو فيما جل فهو يتناول فهم الأمور الواضحة والخفية علي حد سواء، ويؤكد هذا أن القرآن الكريم إستعمل كلمة الفقه لمجرد الفهم فقال تعالي في شأن الكفار( فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ) ، وقال ذو القرنيين بأنهم (وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ) فهذا يدل علي إستعمال كلمة الفقه لمجرد الفهم بغض النظر هل هو فهم دقائق الأمور الواضحة أو الخفية.

- والفقه من حيث الأصطلاح ،
فهناك أصطلاح أهل الصدر الأول للأسلام ، وهناك الفقه في أصطلاح المتأخرين .
- فالفقه عند العرب كما ذكرنا هو الفهم والعلم لا يفرقون في هذا بين كلام وكلام أو بين علم وعلم ، وكل من علم علما فهو فقيها في ذلك العلم ، والذي أحاط بعلوم كثيرة فذلك هو فقيه العرب وعالمهم.
وبعد مجئ الأسلام غلب أسم الفقه علي علم كل الدين لسيادته وفضله وشرفه علي سائر أنواع العلم ، كما غلب النجم علي الثريا وغلب العود علي المندل.
ولذلك ففي الدعاء عن معاوية رضي الله عنه مرفوعا ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) والدين هنا الذي كان يستعمل في صدر الأسلام شاملا لكل الدين كما جاء في بعض الأحاديث ( أنه لا يفقه دين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه ) فالفقه في الصدر الأول يشمل كل الدين .
وكان علم الدين في ذلك الوقت – الصدر الأول للأسلام – يتمثل في كتاب الله تبارك وتعالي وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ، وقال صلي الله عليه وسلم ( نضر الله أمرأ – وهو دعاء بالنضارة وهي النعمة والبهجة والحسن فيكون معني الحديث جمله الله وزينه – سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ) والتأمل في هذا الحديث يدلنا علي أن الفقيه هو صاحب البصيرة في دينه الذي خلص الي معاني النصوص واستطاع ان يخلص الي الأحكام والعبر والفوائد التي تحويها النصوص يدلنا علي هذا قوله صلي الله عليه وسلم فرب حامل فقه إلي من هو أفقه منه أي أقدر منه علي التعرف علي مراد الله وأحكامه وتشريعاته ، وقوله ورب حامل فقه ليس بفقيه أي ليس عنده القدرة علي إستخلاص الأحكام والعلم الذي تضمنته النصوص .

- وقد كان الفقهاء من الصحابة والتابعين معروفين بارزين ، ففي الحديث الذي يرويه البخاري عن أنس أبن مالك رضي الله عنه في شأن الأموال التي غنمها المسلمون من قبيلة هوازن وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد وزعها علي رجال من قريش فعتب رجال من الأنصار علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقالوا كلاما بلغ الرسول صلي الله عليه وسلم فدعي الرسول الأنصار وقال لهم ( ما كان حديث بلغني عنكم ؟فقال له فقهاؤهم – ومعناها أنهم كانو معروفين وبارزين – أما ذوو آرائنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا ، الكبار والفقهاء والعلماء منا لم يقولوا شيئا) .

- وأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخطب في موسم الحج في أمر مهم فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإني أرى أن تمهل حتى تقدم ‏ ‏المدينة ‏ ( ‏فإنها دار الهجرة والسنة والسلامة ) وتخلص لأهل الفقه( وأشراف الناس وذوي رأيهم ) ، أي إذا تكلمت هنا في موسم الحج فهو يجمع العلماء والجهلاء والغوغاء والرعاع ونحوهم والذين لا فقه لهم ولا علم لهم فيمكن أن تكون منك كلمة يسيئون فهمها يطيرون بها في أفاق الدنيا فكل يعود إلي بلده وينقل عن عمر الكلام الذي أساء فهمه فيحدث فتن أو نحو ذلك فتمهل حتي تقدم المدينة وتخلص إلي أهل الفقه بها وتتكلم مع من يفهم عنك كلامك بطريقة صحيحة – وهذا الحديث في البخاري أيصا.

- وفي مسند الأمام أحمد عن الزهري قال أخبرني رجلا من الأنصار من أهل الفقه – أي كانت هناك طبقة معروفة ومميزة من أهل الفقه وأهل العلم .

- وقال يحيي بن سعيد الأنصاري وكان قد أدرك كبار التابعين بالمدينة كسعيد بن المثيب ولحق قليلا من صغار الصحابة كأنس بن مالك رضي الله عنه فقال ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون في كل ثنتين من النهار – وهذا رواه البخاري أيضا.

- وقال الزهري إذا ولغ الكلب في إناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به ، وقال سفيان الثوري هذا الفقه بعينه يقول الله تبارك وتعالي ( فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا )
وهذا ماء ، وبالطبع بغض النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه لكن الشاهد أن سفيان قال هذا الفقه بعينه أي يشير إلي فقه الزهري والذي كان مذهبه أنه إذا ولغ الكلب في إناء وليس له ماء غير هذا الماء فإنه يتوضأ به ، ووافقه سفيان لأن فقه الزهري أنه أعمل ظاهر النص والذي قال فلم تجدوا ماءا وهذا المتوضأ قد وجد ماءا فلا يجوز له أن يتيمم ،، وطبعا هذا الإستدلال فيه نظر ، لأن الماء النجس كالماء المعدوم ، والمقصود بالنص فلم تجدوا ماءا طهورا يصلح أن تتوضؤا به أي ماء طاهر صالح للوضوء، ومذهب عامة وجماهير العلماء – عدا الأمام مالك - أن الماء ينجس بذلك .

- وكلمة الفقهاء كانت تتردد وعلي ألسنة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين دالة علي أصحاب البصيرة النافذة في دين الله الذين فهموا عن الله تبارك وتعالي وعن رسوله الأمين صلي الله عليه وسلم ، وقد كانت سمات الفقهاء واضحة وعلاماتهم بارزة ، وقد دل رسول الله صلي الله عليه وسلم علي شئ من صفاتهم في أحاديث كثيرة فقال صلي الله عليه وسلم ( من فقه الرجل رفقه في معيشته ) وقال صلي الله عليه وسلم ( من فقه الرجل أن يقول لما لا يعلم الله أعلم ) صحيح مسلم ، وقال صلي الله عليه وسلم ( من فقه الرجل إقباله علي حاجته حتي يقبل علي صلاته ) رواه البخاري ، وقال صلي الله عليه وسلم ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه – أي علامة علي فقهه ) .

- وهذا الذي أوردناه من إطلاق أسم الفقهاء علي العلماء بالدين الأسلامي من أصحاب البصيرة في دينهم يرد علي العلامة أبن خلدون الذي ذهب إلي أن الأسم الذي كان يُطلق علي أهل الفتية والفقه من الصحابة هو أسم القراء.
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه وينفي ما ذهب إليه العلامة أبن خلدون أن أبن مسعود رضي الله عنه جعل أسم القراء مغايرا لأسم الفقهاء ، فقد روي مالك في موطئه أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لأنسان ( أنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه – فغاير بذلك بين الفقهاء وبين القراء – تُحفظ فيه حدود الله وتُضيع حروفه ، قليل من يسأل كثير من يُعطي ، يطيلون فيه الصلاة ويُقصرون الخطبة ، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم ، وسيأتي علي الناس زمان قليل فقهاؤه كثير قراؤه ، تُحفظ فيه حروف القرآن وتُضيع حدوده ، كثير من يسأل قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون فيه الصلاة ، يبدون أهوائهم قبل أعمالهم ) .
فهذا كله يؤكد أن الفقيه من الصحابة هو الذي خصه الله تبارك وتعالي بنوع من الفهم لكتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم وأن مجرد الحفظ لا يجعل صاحبه فقيها.

- وكان الفقه في الصدر الأول فقها شاملا للدين كله غير مختص بجانب منه ، وكان الفقيه عندهم يُعني بالأصول قبل الفروع ، ويُعني باعمال القلوب قبل أعمال الأبدان ، ولذلك سمي الأمام أبي حنيفة ورقات في العقيدة بأسم الفقه الأكبر أي أنه أكبر بالنسبة إلي فقه الفروع الذي هو أصغر بالنسبة إليه . فالفقه كان يشمل في ذلك العهد علم العقيدة وأحكام الفروع والأخلاق ، وممن نص علي هذا صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود فقال ، أسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا علي علم الآخرة ومعرفة دقائق النفوس والأطلاع علي الآخرة وحقارة الدنيا ، ولست أقول أن الفقه لم يكن متناولا أولا الفتاوي والأحكام الظاهرة بل هي جزء منه ، لكن الفقه كان يشمل كل الدين .

- ويقول أبن عابدين الحنفي ، المراد بالفقهاء العالمون بأحكام الله تبارك وتعالي إعتقادا وعملا ، لأن تسمية علم الفروع فقها حادثة – أي أمرا حديثا أو أصطلاح متأخرين - ، ويؤيده قول الحسن البصري ، إنما الفقيه هو المعرض عن الدنيا الراغب في الآخرة ، البصير بدينه ، المداوم علي عبادة ربه ، الورع ، الكاف عن أعراض المسلمين ، العفيف عن أموالهم ، الناصح لجماعتهم.

- وقال بعض السلف، الفقيه هو من يخشي الله ، وأستدلوا بقوله تبارك وتعالي ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) وعللها تبارك وتعالي بقوله ( ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) ، فنفي عنهم الفقه لما نفي عنهم الخشية.
إذا هذا فيما يتعلق بالفقه في الصدر الأول .

- أما الفقه في أصطلاح المتأخرين ،
فمعناه علم القانون الأسلامي ، خاصة المتأخرين بعد الصدر الأول ، أي العلم بالأحكام الشرعية العملية.
- يقول صدر الشريعة ، بعد الصدر الأول إختص علم الفقه بإستنباط الأحكام العملية من الأدلة التفصيلية ، بطريق العموم والشمول أو بطريق الإستتباع ، فتصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل.
- وقد عرف الآمدي الفقه بأنه ، العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيليىة ، وعزاه الآمدي للأمام الشافعي.
- وعرفه الأمام تاج الدين السبكي بأنه ، العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية .
- وتعريفات الفقهاء للفقه متقاربة.
- وتعريف الفقه في غاية الدقة والأهمية ، إذ أنه يظهر وجهة نظر علماء المسلمين الخاصة لعلم الحقوق ،
وفيما يلي إيضاح عناصر هذا التعريف للفقه:-
- أولا – الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية ، أي أنه علم ، فهو ذو موضوع خاص ومواضع خاصة، وعلي هذا الأساس تدارس الفقهاء في كتبهم وأبحاثهم وفتاويهم ،
فالفقه ليس فنًا كما أدعي بعض العلماء وإنما هو علم.

- ثانيا – هو العلم بالأحكام الشرعية ، وهي الأحكام المتلقاة بطريق السمع والمأخوذة من الشرع ، وهي أحكام متلقاة بالأدلة النقلية ، دون الأدلة العقلية المأخوذة من العقل ومثالها أن الواحد نص الأثنين ، ودون الأحكام الحسية وهي التي تدرك وتأخذ بالحس والجوارح ومثالها أن النار محرقة ، ودون الأحكام الوضعية أو التي تأخذ من الوضع أو الأصطلاح اللغوي كالعلم بأن الفاعل مرفوع وبأن المفعول به منصوب، فهذه كلها أحكام ، والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية دون غيرها من أحكام.

- والحكم الشرعي ، هو القاعدة التي نص عليها الشارع في مسألة من المسائل ، وهذا الحكم قد يكون فيه تكليف معين فيسمي حكم شرعي تكليفي ومثاله التكليف بالصلاة ، وقد لا يتضمن تكليف بأمر ما وإنما يضع أمور أخري فيسمي الحكم الشرعي الوضعي ومثاله أن وجوب صيام رمضان مرتبط برؤية الشهر والهلال.
فأداء الدين واجب ، والقتل محرم ، فهذان مثالان لحكم شرعي تكليفي لأن فيه تكليف بفعل – أداء الدين – أو فيه تكليف بالإمتناع عن فعل – القتل- .
ومثال الحكم الشرعي الوضعي ( ليس فيه تكليف ) ، أن الشرع نص علي بطلان عقد المجنون ، فهذا الحكم وضع كنتيجة لعقد المجنون بدون أي تكليف فالمجنون لا يكلف ورفع عنه التكليف.
- والبحث في أنواع الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية مفصل في علم أصول الفقه.

- ثالثا - كلمة الأحكام الشرعية العملية ، تعني أن الفقه يتعلق بالأعمال العملية الناتجة من أفعال الناس في عباداتهم ومعاملاتهم اليومية.
ويقابل الأحكام العملية ، الأحكام الأعتقادية ، وهي التي تتعلق بالقلوب لا بأعمال الأبدان، فالعقائد تتعلق بالقلوب أما الأحكام العملية فهي تتعلق بالجوارح والأبدان، وكلمة العملية الواردة بتعريف الفقه هي إحتراز من الأحكام العقائدية أي أن الفقه لا يشمل الأحكام العقائدية.

- رابعا – من أدلتها التفصيلية ، علم الفقه مكتسب من أدلة الأحكام التفصيلية، ومعني ذلك أن الأحكام لا تعد من علم الفقه إلا إذا كانت مستندة إلي مصادر الشرع المعلومة ومنها الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
- والفقيه هو الذي يسند كل حكم من أحكام الشرع إلي دليله ، فالقانون الأسلامي أو الفقه الأسلامي ليس قانونا وضعيا من صنع الدولة بل هو حكم ديني مبني ومستند إلي مصادر دينية معينة.
- والتعريف يجعل الفقه قاصرا علي الأحكام التي تؤخذ من طريق النظر في الأدلة ، أما الأحكام التي يتلقاها المقلدون من غير نظر فإنها لا تدخل في مفهوم الفقه ، فالفقه هو حكم مكتسب من أدلة تفصيلية ليس من بينها التقليد.
والتقليد هو ، الأخذ بقول الغير دون معرفة دليله الشرعي، والتقليد مذموم وبالإجماع ، فالمقلد ليس من أهل العلم ولا يجوز نسبته إلي أهل العلم .

- خامسا – المراد بالأدلة التفصيلية، وهي أحاد الأدلة من الكتاب والسنة ، مثل قول الله تبارك وتعالي ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) وقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ( أحل الذهب والحرير علي الآناث من أمتي وحرم علي ذكورها ) . فالأدلة التفصيلية هي أحاد الأدلة ، دليل دليل سواء من الكتاب أو من السنة. وكلمة التفصيلية يقابلها كلمة الأجمالية
- فالأدلة التفصيلية يقابلها الأدلة الأجمالية ، وهي محل نظر من علماء أصول الفقه والذين يناقشون هذه الأدلة الأجمالية وحجيتها والتفاصيل الخاصة والمتعلقة بها ، اما علماء الفقه فإنهم يناقشون أحاد الأدلة التفصيلية ، دليل دليل، ففي كل مسألة يقول القرآن 1 ، 2 ، 3 ، وتقول السنة 1 ، 2 ، 3 ، وهكذا.

- ويناقش علماء أصول الفقه الأدلة الأجمالية وهي نوعان، نوع متفق عليه وهي أربعة ( قرآن ، سنة ، إجماع ، قياس ) ونوع ثان أدلة مختلف فيها ( الإستحسان ، الإستصحاب ، سد الذرائع ، المصلحة المرسلة ، العرف ، قول الصحابي ، الإجتهاد، وهكذا) وإن كان بعضها نوع واحد لكن تختلف المسميات ، كما يبحثون في جنس الأدلة بالكتاب والسنة كقولهم مثلا الأمر يفيد الوجوب ما لم يصرفه صارف إلي الندب ، والنهي يفيد التحريم ما لم يصرفه صارف إلي الكراهة .

- أما الفقه فيدخل فيه الأحكام العملية المعلومة من الدين بالضرورة ويشمل الأحكام القطعية والأحكام الظنية.
فالأحكام القطعية ، هي التي تعلم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة وحرمة الخمر.
والأحكام المظنونة ، مثل لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا، هل الواجب مسح الرأس كلها في الوضوء أم بعضها ، ونحو ذلك ، فهذا كله يدخل في مسمي الفقه.
- خالف بعض العلماء ومنهم الرازي ، فذهبوا إلي أن الأحكام القطعية المجمع عليها لا تدخل في علم الفقه ويدخل فيه الأحكام الظنية فقط.
- كما ذهب البعض ومنهم أبن الهمام ، إلي قصر الفقه علي الأحكام القطعية دون الظنية.
- ويرد علي كل الفريقين ، صنيع الفقهاء علي إختلاف مذاهبهم في كتبهم ، حيث يوردون فيها الأحكام القطعية والأحكام المظنونة .
ثم أن الأحكام القطعية والظنية ليس أمرا منضبطا للمسلمين كلهم ، فبعض العلماء تتوارد عليه الأدلة حتي يجزم بحكم ما ، وأخر لا يكون عنده هذا العلم ، هذا في العلماء وغيرهم أشد تباينا منهم.
- خلاصة القول بأن الفقه يشمل الأحكام القطعية – المعلومة من الدين بالضرورة – كما يشمل أيضا الأحكام الظنية ولا يقتصر علي أحدهما.

- ويعقد البعض مقارنة فيما بين الشريعة وبين الفقه،
فيقول التعريف الأصطلاحي للتشريع عند أهل الصدر الأول مطابقا للتعريف الأصطلاحي للفقه عندهم . إذ كل منهما كان يشمل ويتناول الدين كله ، ففي الصدر الأول كلمة التشريع وكلمة الفقه مترادفتان يعبر بهما عن كل الدين ، عقيدة وأحكام وأخلاق وأداب ومعاملات إلي أخره.
فكلاهما كان يتناول الدين كله بعقائده وأحكامه وأدابه ، وهو يطابق في مدلوله الأصطلاحي عنذ المتأخرين إذ كل منهما يطلق علي الأحكام العملية ، فالتشريع عند المتأخرين يطلق علي الأحكام العملية ، والفقه عند المتأخرين أيضا يطلق علي الأحكام العملية.
إلا أن بينهما فرقا لا ينبغي أن لا يهمل ، ذلك أن الشريعة هي الدين المنزل من عند الله، والفقه هو فهمنا لتلك الشريعة . فإذا أصبنا الحق في فهمنا كان الفقه موافقا للشريعة من هذه الحيثية ، وإذا أخطأنا في فهمنا الحق المنزل لم يكن هذا الفهم من الشريعة ولم يخرج عن كونه فقها ، إذ الفقه من ضمنه الإجتهاد بصوره المختلفة.
فمن ضمن الفقه الإجتهاد بصوره المختلفة، فالقياس فيه نوع من الإجتهاد ، والمصالح المرسلة ، وهكذا.
فدائما ينسب الخطأ لما كان بشريا ، لذلك فمن الخطأ ما يردده البعض بمقولة ( نحن ندعو إلي الأسلام الصحيح ) فهذا من الخطأ ، فيفهم من هذا القول أن الأسلام نوعان ، أسلام صحيح ، وأسلام غير صحيح أو خطأ ، فالأسلام من حيث انه دين الله لا يطرأ عليه مثل هذه التعبيرات ، لكن يمكن القول نحن ندعو إلي الفهم الصحيح للأسلام، فالخطأ يرد علي الفهم البشري أما دين الله فبالقطع دين محفوظ وكامل وصحيح كله ، ولا يدخل عليه أي خطأ.

- أذن يمكن أن نرد الفروق بين الفقه بمعناه الأصطلاحي عند المتأخرين وبين الشريعة بمعناها الأصطلاحي العام في نقاط محددة،
1 - الشريعة دائرة والفقه دائرة ، وهناك جزء مشترك بينهما ، فيجتمع الفقه والشريعة في الأحكام التي أصاب المجتهد فيها حكم الله ، فهي من الفقه وأيضا من الشريعة. ويختلف الفقه عن الشريعة في الأحكام التي أخطأ فيها المجتهد فهذه تعد من الفقه ولكنها لا تعتبر من الشريعة . كما يختلف الفقه عن الشريعة في الأحكام الأعتقادية والأخلاقية وقصص الأمم الماضية فهذه كلها خاصة بالشريعة وحدها دون الفقه.
2- أيضا كلمة الفقه كلمة واسعة لها معاني واسعة جدا ، لأنها تنبني علي الأدلة التفصيلية وهي كما ذكرنا نوعان من الأدلة ، ادلة متفق عليها ، وأخري خلافية مختلف فيها ، لكن كما بينا فالفقه عند الأطلاق أوسع من فقه الكتاب أو فقه السنة.



أذن فالفارق بين الفقه وبين الشريعة فيما يلي :-
1- الشريعة تُختص بالجوانب والأحكام الأعتقادية والأخلاقية وأخبار الأمم الماضية ، والفقه يُختص بالأحكام التي أخطأ فيها المجتهدين حكم الله، والجزء المشترك بينهما هو الأحكام التي وافق فيها المجتهد حكم الله فهذه من الشريعة وأيضا هي من الفقه.
2- أن الشريعة كاملة بخلاف الفقه ، وتتناول القواعد والأصول العامة ، ومن هذه القواعد والأصول نستمد الأحكام التي لم ينص علي حكمها في أمور حياتنا ، أما الفقه فهو أراء المجتهدين من علماء الأمة.
3- الفرق الثالث أن الشريعة عامة بخلاف الفقه ، فيقول الله تبارك وتعالي ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) هذا العموم ملموس من واقع الشريعة ومقاصدها ونصوصها التي تخاطب البشر كافة.
4 – الفرق الرابع أن الشريعة ملزمة للبشرية كافة ، فكل أنسان إذا توافرت فيه شروط التكليف ملزم بكل ما جاءت به من عقيدة وعبادة وخلق وسلوك ونحو ذلك ، بخلاف الفقه الناتج من أراء المجتهدين ، فرأي أي مجتهد لا يلزم مجتهد أخر ، بل لا يلزم مقلده ، والشريعة تلزم الجميع، ومن قواعد الأصول أن العامية لا مذهب لها أي أنه غير ملزم بإعتناق مذهب معين دائما بل هو علي مذهب من يُفتيه.
- 5- من الفروق أيضا ، ثبات أحكام الشريعة وخلودها..
والفقه والذي هو إستنباط المجتهد قد يعالج مشكلات المجتمع في زمان ومكان يمكن أن لا يصلح في زمان ومكان أخر، بخلاف الشريعة الشاملة زمانا ومكانا ، فالشريعة مرنة لكن احكامها غير متغيرة.
- احكام الشريعة صواب كلها لا خطأ فيها، وفهم الفقهاء قد يخطأ أحيانا.

- ثم نتعرض لأقسام ومحتويات الفقه الأسلامي ،
قسم الفقهاء موضوعات الفقه إلي قسمين وهما ، قسم العبادات ، وقسم المعاملات.
ومن اهم المباحث التي أدرجها الفقهاء في قسم العبادات ، الطهارة ويبحث فيها المياه والغسل والتيمم والحيض والنفاس ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والجنائز ، والحج والعمرة، والمساجد وفضل الصلاة فيها، الإيمان والنذور، الجهاد ، الأطعمة ، الأشربة ، الصيد ، الذبائح ، ونحو ذلك.
ومن أهم المباحث التي أدرجها الفقهاء في قسم المعاملات ، الزواج، الطلاق، العتاق، البيوع ، العقوبات ( الحدود- القصاص – التعزير ) الرهن ، المساقأة والمزارعة، القرض، الإجارة، الحوالة، الشفعة، العارية، الوديعة، الغصب ، اللقيطة، الكفالة، الجعالة، الشركات، القضاء، الأوقاف، الهبة، الوصية، الفرائض، الحجر.

- ومن الفقهاء من قسم الفقه إلي ثلاثة أقسام، كأبن عابدين الحنفي، فقسمه إلي عبادات ومعاملات وعقوبات. وقسم العبادات إلي خمسة أقسام ( الصلاة- الصوم – الزكاة- الحج - الجهاد) وقسم المعاملات إلي خمسة أقسام ( المعاوضات المالية ويريد بها الوديعة والعارية ونحو ذلك - الزواج وما يتعلق به - المخاصمات ويريد بها الدعوي والقضاء ونحو ذلك – التركات - ) وقسم العقوبات إلي خمسة أقسام ( القصاص – حد السرقة – حد الزنا – حد القذف – عقوبة الردة لتارك الأسلام).

- أما أصحاب الشافعي فقسموا الفقه إلي أربعة أقسام فقالوا الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر من أمور الآخرة وهي العبادات ، أو بأمر من أمور الدنيا وهي أما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات ، أو ببقاء النوع وهي المناكحات ، أو بإعتبار المدينة وهي العقوبات.

- وأبن جزي المالكي قسم الفقه في كتابه قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية إلي قسمي العبادات والمعاملات ، وضمن كل قسم عشرة كتب علي مائة باب .

- ونناقش الفرق بين العبادات والمعاملات،
عموم الفقهاء قسموا الأحكام الشرعية إلي عبادات ومعاملات ، وقد لاحظوا فروقا عدة جعلتهم يذهبون هذا المذهب،
1 – إختلاف المقصود الأصلي لكل من العبادات والمعاملات ، إذا كان الغرض من الأحكام الشرعية هو التقرب إلي الله وشكره وإبتغاء الثواب في الآخرة ، فهذا قسم العبادات، مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج.
وإذا كان المقصود منه تحقيق مصلحة دنيوية أو تنظيم علاقة بين فردين أو بين جماعتين فإنهم يضعون هذا النوع في قسم المعاملات.
2- لاحظ الفقهاء أن الأصل في العبادات أنها غير معقولة المعني – أمور تعبدية – جاءت بها النصوص آمرة أو ناهية ، ولا يعلم حقيقتها إلا الله تبارك وتعالي ، وكل ما نعرفه من حكمها وعللها مما ورد به النص أو عُرف بالإستنباط لا آثر له في قياس ولا إباحة ولا إلغاء.
فالأمور التعبدية حتي ولو وقفنا علي بعض حكمها أو عللها لكن هذا لا يعني أنه يجوز القياس فيها ، فلا قياس في العبادات.
ولا أدل علي انها مقصورة علي التعبد مما نراه في أمور كثيرة يعجز العقل عن إدراكها ، وإن أدركها فإنما يكون علي وجه الإجمال لا التفصيل، كعدد ركعات الصلاة مثلا، فهناك أشياء كثيرة تكون علتها غير معروفة أو معروفة بصورة مجملة.

أما العبادات فالأصل فيها أنها معقولة المعني ، يدرك العقل كثيرا من أسرارها ، ولذلك نري العقلاء في زمن الفترات ( الزمن بين نبيين سابق ولاحق ) إستعملوا عقولهم في تشريعها فأصابوا في الكثير منها ، ولما جاء الأسلام أقر بما كانوا يتعاملون به أمورا غير قليلة ، يرشدنا إلي ذلك أسلوب التشريع فيها فهو لم يعمد إلي التفاصيل بل جاء بالأصول الكلية والقواعد العامة ثم أكثر من التعليل ، ففي المعاملات التعليل كثيرا جدا ليكون ذلك عونا للفقهاء علي التطبيق مهما تغير الزمان وأختلفت البيئات ، أما العبادات فهي علي العكس من ذلك ، فالقرآن جاء بها إجمالا والرسول صلي الله عليه وسلم بينها اكمل بيان، ولا يستطيع أحد أن يزيد عليها شيئا .
(( وفي العبادات هناك العبادات التوقيفية لا يزاد عليها ولا ينقص منها، فالعبادات يجب إداركها علي وجه التفصيل من حيث الوقت والعدد والكيفية ، فهي لابد أن تكون قائمة علي دليل شرعي نقف عنده لا نزيد ولا ننقص منه وإلا كنا مُبتدعين.
فالعبادة الصحيحة يجب أن توافق جميع تفاصيلها ما جاءت به الأدلة ، اما المعاملة فانه لا يتبع فيها التفاصيل وإنما لابد أن تخضع للقواعد العامة ، فهناك قواعد عامة في المعاملات مثل العدل ، وعدم الظلم ، ونحو ذلك، فشرط المعاملة الصحيحة أن تندرج تحت أصل كلي من أصول الشريعة وتحقق هذا الأصل)

3- يُشترط في التكليف بالعبادات العلم بأنه مأمور بها من الله تبارك وتعالي، إذ لابد للمكلف من نية التقرب بالعبادة إلي الله ، وهذه النية لا تكون إلا بعد معرفة أن العبادة المتقرب بها إليه سبحانه هي آمر منه جل وعلا، واما المعاملات فلا يشترط في صحة فعلها نية التقرب ، فهي صحيحة ولو لم ينوي التقرب إلي الله تعالي ، لكن لا يُثاب في الآخرة عليها إلا بنية التقرب ، مثال رد الأمانة ، وقضاء الديون ، والإنفاق علي الزوجة ، فإذا نوي بها التقرب إلي الله يكتب له بها صدقة، ولكن متي فعل شيئا منها خشية عقوبة السلطان ففعله صحيح دون النية ولا يلزمه الحق في الآخرة بدعوي أن قضائه للدين في الدنيا غير صحيح لعدم نية التقرب، ففعله صحيح والمطالبة به ساقطة علي كل حال، ولكن لا أجر إلا بنية التقرب..


نناقش إشتمال موضوعات الفقه الأسلامي علي فروع القوانين الوضعية،
اقسام القانون الوضعي ،
إن القانون الأسلامي مشتمل علي جميع أقسام القانون الوضعي .
والقانون الوضعي يقسم عند أهله إلي قانون عام ، وقانون خاص. وهذا التقسيم مبني علي أساس وجود الدولة أو عدم وجودها كطرف في العلاقة التي تحكمها القاعدة القانونية.
فالقانون العام مبني علي أساس وجود الدولة ، فإذا كانت الدولة طرفا في العلاقة التي ينظمها القانون بإعتبارها صاحبة السلطة والسيادة فيكون القانون عام ، وإذا لم تكن الدولة طرفا في العلاقة التي ينظمها القانون او وجدت ولكن ليس بإعتبارها صاحبة السلطة والسيادة و كانت الدولة موجودة بصفتها شخصا عاديا أي ليست صاحبة سلطة أوسيادة فيكون القانون خاص .
والقانون العام قسمان ، قسم خارجي أو ما يسمي بالقانون الدولي العام ، وقسم داخلي ينقسم إلي أربعة أقسام.
فالقانون الخارجي ( القانون الدولي العام ) ، هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقة فيما بين الدولة وبين غيرها من الدول أو المنظمات الدولية ( ما يسمي بأشخاص القانون الدولي ) ، وتحدد الحقوق والواجبات بين الدول ، سواء في حالة الحرب أو في حالة السلم.
أما القانون العام الداخلي ، فيحتوي علي مجموعة القواعد القانونية التي تحدد كيان الدولة وتنظم علاقتها بالأفراد بصفتها صاحبة السيادة والسلطة ، ويتفرع القانون العام الداخلي إلي أربعة فروع وهي ، قانون دستوري، إداري ، مالي ، جنائي.
- فالقانون الدستوري، هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين كيفية نظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها وإختصاص كل سلطة منها وعلاقة كل سلطة بالأخري وعلاقتها بالأفراد ، كما يبين حقوق الأفراد السياسية وما يجب لحرياتهم من ضمانات.
- القانون الإداري، هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين كيفية أداء السلطة التنفيذية – الحكومة – لوظائفها، فهو يتناول أنواع الخدمات التي تقوم بها السلطة التنفيذية والمرافق التي تقوم بهذه الخدمات، ويبين علاقات السلطة المركزية بالإدارات في الأقاليم والمجالس البلدية والمحلية والقروية، فقد تكون العلاقة مركزية او لا مركزية ، ويبين أيضا الأعمال الإدارية والشروط اللأزمة لصحتها وطرق الرقابة عليها.
- والقانون المالي، هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم مالية الدولة، فهو يعني بدراسة وتنظيم النفقات العامة والإيرادات العامة والقرض العام وميزانية الدولة.
- والقانون الجنائي – مضاف إليه قانون الإجراءات الجنائية – فهو مجموعة القواعد القانونية التي تحدد الجرائم وتبين العقوبات المقررة لكل منها والإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته وتوقيع العقاب عليه.

- أما القانون الخاص، فيضم مجموعة القوانين التي تنظم العلاقات التي لا تكون الدولة بصفتها صاحبة سلطة وسيادة طرفا فيها، أو تكون الدولة طرفا فيها بصفتها شخصا عاديا يقوم بما يقوم به الأشخاص العاديين وليس بصفتها صاحبة سلطة وسيادة.
ويتفرع القانون الخاص إلي أقسام عدة ومنها، القانون المدني، التجاري، البحري، الجوي،العمل ، المرافعات ،قانون الأحوال الشخصية ، القانون الدولي الخاص.
- فالقانون المدني، هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات المالية بين الأشخاص وكافة ما يبرمه الأشخاص من عقود – فيما عدا ما يتناوله قانون أخر بالتنظيم.
فالقانون المدني هو أصل القانون الخاص ، وبقية القوانين الخاصة الأخري تابعة له ومتفرعة عنه.
- القانون التجاري ، هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تنشأ من الأعمال التجارية أو بين طائفة التجار وغيرهم.
- والقانون البحري، هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات البحرية التي تنشأ بصدد الملاحة في البحار والمحيطات وتتركز العلاقات التي ينظمها هذا القانون حول السفينة.
- قانون العمل، فهو مجموعة القواعد القانونية التي تنشأ بين العمال وبين أصحاب العمل بسبب علاقة العمل فيما بينهما.
- قانون المرافعات، فهو مجموعة القواعد القانونية التي تبين الإجراءات الواجب إتباعها في المحاكم للوصول إلي حماية الحقوق عند التنازع عليها.
- القانون الدولي الخاص، فهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات ذات الطرف الأجنبي بين الأفراد، فهو يبين المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق، وقواعد الجنسية، ووضع الأجانب داخل الدولة.


أين مواقع هذه الموضوعات في كتب الفقه الأسلامي؟
نبدأ أولا بالقانون الدولي العام، أو القانون الخارجي .
أهتم الفقهاء المسلمون في كتبهم بهذا الفرع من القوانين وأبدعوا فيه ( فهم أول من كتب في هذا الموضوع ) لذلك يوجد في ألمانيا جمعية محمد أبن الحسن الشيباني ، فالعلماء الألمان من شدة إنبهارهم وإعجابهم به أقاموا جمعية بأسمه تخليدا لأسمه وتعظيما له.
ولعل محمد بن الحسن الشيباني والمتوفي سنة 189 هجرية أعتبره كثيرا من العلماء المعاصرين (الأب للقانون الدولي العام ) وكتب كتب كثيرة في هذا الفرع ومنها كتاب السير الكبير.

- يطلق الفقهاء المسلمين علي هذا الفرع من القوانين – القانون الدولي العام – أسم السير والمغازي، والسير جمع سيرة ، لأنه يبين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب وأهل العهد منهم من المسأمنين وأهل الذمة ومع المرتدين والذين هم أخبث الكفار للإنكار بعد الأقرار ، ومع أهل البغي الذين حالهم دون حال المشركين وإن كانوا جاهلين وفي التأويل هم مبطلين.
ويسمي أيضا بالمغازي لأن قواعده تستسقي من غزوات الرسول صلي الله عليه وسلم.
وأحيانا يستعمل العلماء المعاصرين نفس اللفظ القانون الخارجي أو القانون الدولي العام.
- والجدير بالذكر أن قواعد القانون الدولي العام في الشريعة الأسلامية ترجع في أصلها إلي القرآن الكريم نفسه وإلي الأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة.

- وأهم قواعد هذا القانون،
أولا- الوحدة الأنسانية ،
اعتبرت الشريعة الأسلامية الناس جميعا أمة واحدة تجمعها الأنسانية ، وأكدت أن إختلافهم شعوبا وقبائل ليس للتقاتل والأختلاف بل للتعارف والتعاون وتعميم المودة ومنع الفساد والتفاضل عند الله يكون بالتقوي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).
ولا يعتد بالضوضاء التي يحدثها الغرب من إدعاء التسامح والتعايش وهم يحاربون ويقتلون ويغزون الشعوب والبلاد ، فمثلا نشر مؤخرا أن هناك عصابات إجرامية في فرنسا تذهب إلي دارفور والبلاد الأفريقية الفقيرة والتي فيها فتن وأزمات مالية وسياسية بحجة العمل الأنساني وإنفاذ الأطفال ثم يسرقون هؤلاء الأطفال ويرحلونهم إلي بلادهم من أجل الإتجار في أعضائهم البشرية في جريمة من أقبح جرائم البشرية ، وهذه هي اخلاق الغرب المتوحش والذي يدعي الأخلاق والحضارة وحقيقتهم أنهم أحقر الناس بل أخس من البهائم في مثل هذه السلوكيات كالوحوش المفترسة.

ثانيا- التعاون،
إعتبرت الشريعة الأسلامية التعاون مبدأ عاما وأساسيا وحثت عليه في مجال البر ونهت عنه إذا كان هدفه الآثم والعدوان ، قال تعالي ( وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الآثم والعدوان) .

ثالثا – التسامح،
حيث دعت الشريعة الأسلامية السمحاء إلي التسامح غير الذليل مع الأفراد والجماعات ، كما دعت إلي دفع العداوة بالتي هي أحسن ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .
وموضوع التسامح هو موضوع في غاية الخطورة ، أولا لأن كثيرا من المسلمين لا يفهمونه جيدا ولا يتصورون أن هناك قدرا عظيما جدا من التسامح مع الكفار أو مع غير المسلمين خاصة أهل الذمة ، بل إن بعض المسلمين لا يتخيلوا وبالتالي يتصورون أن هذا القدر من التسامح هو تنازل وضعف في حين أن أسوتنا صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم أجمعين.
- في نفس الوقت فإن عبارة التسامح الآن يُساء إستعاملها من الغرب الكافر لتمرير مفاهيم خاطئة ومغلوطة علي حساب العقيدة وعلي حساب البراء .
ويجب أن نقرر ونوضح أن دائرة التسامح ليست دائرة الإعتقاد ، فلا يجوز مثلا إتهام المسلم بالتعصب لقوله أن اليهودي والنصراني كافر مخلد في النار، قهذه قضية عقائدية ولا دخل للتسامح بها ، بدليل أن اليهودي والنصراني يكفرنا كمسلمين ولا يُتهم بالتعصب ولا يعد ذلك منه تعصبا.
فالتعصب والتسامح دائرته هي دائرة المعاملات بأن لا تظلمه ولا تبخسه حقا ولا تضيع حقه وإلا عد ذلك منك تعصبا.
ولو أحسنت إليه في المعاملة فأنك بذلك تكون متسامحا، أما في العقيدة فلا دخل لأحد فيها.
- وقضية التسامح قضية خطيرة جدا، وفيها أمثلة أسلامية كثيرة جدا في غاية الرفعة والروعة بالنسبة للغرب الكافر والذي يدعي التسامح ويمارس الظلم في أشنع مظاهره والتصعب في أقبح صوره.


- المبدأ الرابع – حرية العقيدة ،
فقد قامت الشريعة الأسلامية علي مبدأ حرية العقيدة فمنعت الأكراه في الدين ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) بل إن الدولة الأسلامية تحمي من يستظل بظلها وتمنع من إجبارهم علي ترك دينهم ، فلو أن رجلا دخل في الأسلام عنوة ومكرها فلا يقبل منه ولا يعتد بإسلامه لأنه إكراه ، أما المسلم فإذا دخل في الأسلام فإنه يكره علي أحكام الأسلام ، ولا تعارض، فأي شخص يوجد في نظام أو في دولة أو في قانون فأنه يُجبر ويُكره علي إحترامه ، فكذلك الشريعة الأسلامية فمن دخل فيها طواعية فإنه يعلن خضوعه لأحكامها وإذا تمرد عليها فإنه يُؤاخذ علي ذلك طبقا لأحكام الشريعة ، ولا يجوز أن يحتج في ذلك بأنه لا إكراه في الدين بل إنه يخضع لأحكام الشريعة وهذا ليس من الأكراه في شئ وإنما هو ألزم نفسه بنفسه من الخضوع لشريعة الله السمحاء.
ونتألم جدا من طائفة أقباط المهجر ومن علي شاكلتهم وأهوائهم والذين نسمع منهم أشياء لا تصدق مثل قولهم إن المسلمون يخطفون بناتهم ويكرهونهن علي الدخول في الأسلام ، وهذا لم يحدث مطلقا ولا مرة واحدة علي الأطلاق.
قال احد القاسوسة بمؤتمر تبشيري كان معقودا بالقاهرة ، عن شخصا جاءه وقال له ، فين الكهنة هنا في الكنيسة أنتم نايمين علي ودانكم انا بنتي أتخطفت ، فقال له القسيس أنت بتخرف، مفيش حاجة أسمها واحدة أتخطفت، مفيش حد بيخطف حد، وأنتم عارفين كويس انكم بتداروا فشلكم بدعوي أن المسلمين يخطفون بناتكم لتدارون خيبتكم.
- هل سمع أحد منكم من قبل علي شخص تم خطفه للدخول في الأسلام عنوة وكرها؟؟!!
بل شريعتنا الأسلامية السمحاء تجرم وتحرم الأكراه في الدين ولا قيمة لمثل هذا الأسلام المكره، لكنها محاولة لمداراة خيبتهم وزحف الأسلام في داخل قلوب هؤلاء القوم.

المبدأ الخامس – مبدأ حرية العقيدة والحرية في تقرير المصير،
لذلك ألزمت الشريعة الأسلامية المجاهدين في سبيل الله بأن يدعون أعدائهم إلي الأسلام، فإن أبوا فالجزية ، فإن رفضوا فالقتال ، ولم تجيز القتال إبتداءا.

- ولكن كل القضية في الجهاد ، أن المسلمين حينما أرادوا أن ينشروا هذا النور بتكليف من الله تبارك وتعالي في أفاق أرض الله جل جلاله ولمصلحة خلق الله وهي أن يفوزوا بالسعادة في الدارين ، فالذي كان يحصل أن الجيوش الكافرة كانت تقف لجيوش المسلمين وتمنعهم من حمل هذا النور ، وكان المسلمين يخيرونهم بين أن يبقوا علي دينهم ويتركونهم يدخلون البلاد ليحملوا رسالة النجاة والسعادة إلي شعوبهم ، وأما أن يدخلوا في الأسلام ، فإن أبوا فيدفعون الجزية ويبقون علي ما هم عليه من الدين، فإن أبوا فالقتال كان هو الذي يحسم القضية، وهذا كله بتكليف من الله تبارك وتعالي للمجاهدين الأوائل.

- فالقضية أن الجيوش كانت تقف امام حملة رسالة الأسلام فكان المسلمون يقاتلون الجيوش التي أختارت القتال ليحصل التعامل بين المسلمين الفاتحين وبين هذه الجيوش، ودعوة هذه الشعوب إلي الأسلام بدون إكراه، فهم فقط كانوا يزيلون العقبة التي كانت تقف امامهم لتبليغ دين الحق جل جلاله في أفاق الأرض.
وهذا كله بتكليف من الله تبارك وتعالي وليس له علاقة بالدخول في الأسلام بالإكراه كما يزعم الكذابون.
بدليل أن العالم العربي هو خمس العالم الأسلامي، وأكثر المسلمين من الأعاجم ، وأكبر دولة أسلامية هي أندونسيا وبلاد شرق أسيا ، وهي لم تفتح بالسيف ولم يراق فيها قطرة دم واحدة، وما فتحت كل بلاد شرق أسيا إلا عن طريق التجار المسلمين وأخلاقهم .

- المبدأ السادس - إقرار العدل،
أيضا نادت الشريعة الأسلامية السمحاء بإقرار العدل والحكم به في حالات الحرب والسلم ، وألزمت بتحري العدل مع كل الناس ( يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم ) ، وقال تعالي ( ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ان لا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي ) .

- ومن المبادئ أيضا ، المعاملة بالمثل،
فقد أقرت الشريعة الأسلامية السمحاء بمبدأ المعاملة بالمثل ، ومن ذلك أيضا أننا نواجه الذين نخشي منهم نقض العهود بعد أعلامهم بذلك.

- لم يقتصر إهتمام الشريعة الأسلامية علي القواعد العامة والمبادئ الأساسية للتعامل الدولي ، بل تجاوز هذه القضايا إلي أمور أخري تتعلق بمسائل هي من صميم القانون الدولي العام والقانون الخاص. ومن هذه المسائل ،،
1 – أشخاص القانون الدولي ، الدولة هي الشخص الرئيس للقانون الدولي العام ، وقد تناول الفقه موضوع الدولة ، فصنف الدول ثلاثة أقسام رئيسية ، دار الإسلام ، ودار الحرب ، ودار العهد ( أو الموادعة ) وحدد طرق المعاملة مع كل منها بما يقتضيه هذا التصنيف.
فدار الإسلام ، هي الدولة التي تحكم بسلطان المسلمين ، وحيث تكون لهم القوة والمنعة .
ودار الحرب، هي الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة للمسلمين ، ولا ترتبط معهم بعهد .
ودار العهد ، فهي الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة بيد اللمسلمين ولكنها ترتبط مع دار الإسلام بعهد عقد إبتداء أو عقد عند ابتداء القتال أو بعد انتهاءه.
2- السيادة ورعابا الدولة ، ارتكز مفهوم السيادة في الفقه الأسلامي علي أساس ديني واقليمي لا علي أساس اقليمي فقط ، كما هو متعارف عليه في القانون الدولي المعاصر. وبموجب ذلك ، يخضع المسلم لأحكام الإسلام أيا كان وطنه ويخضع جميع رعايا دار الإسلام من مسلمين وأهل ذمة ومستأمنين لقوانين الإسلام ، فتطبق أحكام الشريعة الخاصة بالمسلم علي المسلم ، والأحكام الخاصة بأهل الذمة علي أهل الذمة ،والأحكام الخاصة بالمستأمنين علي المستأمنين .
- وتستهدف أحكام الشريعة الخاصة بأهل الذمة والمستأمنين تأمين حرية هؤلاء في ممارسة تعاليمهم الدينية ، وفي تطبيق أحكام الأحوال الشخصية التي تقول بها دياناتهم .
- وقد أسهب الفقهاء المسلمين في معالجة الأحكام الخاصة بعلاقة الذميين والمستأمنين بعضهم مع بعض ، أو بينهم وبين المسلمين ، سواء أكان ذلك في الأموال ، أم في النفوس ، ام في الحدود الشرعية ، مما يشير الي أهتمامهم بما يعرف اليوم بالقانون الدولي الخاص.
3 – الإقليم ، الإقليم عنصر من عناصر الدولة الثلاثة ، وهو يكون حيث تفرض الدولة سيادتها ، وقد عالج الفقه الإسلامي قضية الإقليم عند تمييزه بين دار الإسلام ودار الحرب ودار العهد ، وبذلك ربط بين إقليم الدولة وبين المنعة والسلطان ، فإقليم الدولة هو حيث تكون المنعة والسلطان لها لا لغيرها .
4 – طرق إكتساب الإقليم وفقده ، الإقليم في القانون الدولي هو تلك الرقعة من الأرض – مضاف إليه ما يعرف بالإقليم البحري والجوي ما يلاصق مياهها وما يعلو سمائها -
التي تختص بها كل دولة لتمارس علييها سيادتها علي وجه الدوام والأستقرار ، وهو أحد العناصر الأساسية للدولة .
ويُكتسب الإقليم بعدة طرق هي الإستيلاء أو الأضافة أو التنازل أو الفتح أو التقادم أي وضع اليد .
وقد عالج الفقهاء المسلمين هذه الطرائق وبخاصة تلك التي تتعلق بالتنازل وبالفتح ، كما عالجوا النتائج المترتبة علي اكتساب الملكية الإقليمية . فعلي سبيل المثال ، قسموا الأراضي التي استولي عليها المسلمين الي ثلاثة أقسام ، أحداها ما ملكت عنوة وقهرا حتي فارقها الأعداء بقتل أو أسر أو جلاء . ومنها ما ملك منهم عفوا لانجلاء العداء عنها خوفا ، ومنها ما استولي عليها صلحا .
وقد حدد الأمام أبو عبيد القاسم بن سلام ، الأحكام الخاصة بالإقاليم التي تؤخذ عنوة كما يلي ( أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك أيمانهم .. وأرض أفتتحت صلحا علي خرج معلوم فهم علي ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه ، وأرض اخذت عنوة فهي التي أختلف فيها المسلمون . فقال بعضهم سبيلها سبيل الغنيمة ،، وقال بعضهم بل حكمها والنظر فيها للأمام .. )) واما الأقاليم التي تملك عفوا فتصبح وقفا من دار الإسلام ، والاراضي التي يستولي عليها صلحا فقد تصبح من دار الأسلام أو تصبح دار عهد..

5 - المسؤولية التعاقدية ، تسأل الدولة بمقتضي أحكام القانون الدولي علي كل إخلال منها بما تبرمه مع الدول الأخري من معاهدات وتلتزم بتعويض الضرر المترتب علي هذا الإخلال .
وقد عالج الفقهاء المسلمون هذه المسألة وقالوا بالوفاء بالعهود وفاء مطلقا شرط وفاء الأطراف الآخري التي بتعاقد معها ، وأعتبروا السلم الأصل في العلاقات التعاقدية ، فعرفوا العهود الخاصة بحسن الجوار ، كما عرفوا عهود المهادنة ، وعهود الصلح الدائم والصلح الموقت ، وتناولوا العهود الخاصة بالذميين وديار العهد ، وبحثوا مسألة جواز نبذ العهود لتغير الأحوال ، أو ما يعرف بفسخ العهود للظروف الطارئة .
وقد أكد جمهرتهم أن الوفاء بالعهود أكبر من المصلحة المترتبة علي نقضها ، وقرروا بطلان العهود التي تشترط شروطا ليست في كتاب الله أو لا تلتزم بأحكامه .
وبذلك قرروا المسؤولية التعاقدية للدولة ، واعتبروا الإخلال بالعهود سببا لمباشرة القتال أو لرد المخلين بها.
6 – طرائق فض المنازعات ، تشمل الطرائق السلمية لفض المنازعات ، المفاوضة ، والخدمات الودية ، والوساطة ، والمقاضاة ، والتحكيم .
وتشمل الطرائق الإكراهية ، مقابلة المثل بالمثل، والاحتلال المؤقت ، وضرب المدن، وحجز المدن ، والحصار البحري السلمي ، والحرب.
وترتبط معظم هذه الطرائق ، وبخاصة الطرائق السلمية ، مع قيام الدولة الحديثة ، فلم تكن هناك قواعد ثابتة من قواعد التعامل بين الدول قبل منتصف القرن السابع عشر الميلادي.
وقد قالت الشريعة الأسلامية ببعض هذه الطرائق وعالجها فقهاؤها بصورة مستفيضة منطلقين في ذلك من قواعد القرآن الكريم وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم ، وهذا ما يفسر سبب إختلاف نظرتهم إليها ، عن نظرة المجتمعات الأخري القديمة منهاوالحديثة .
واعتبرت الشريعة الإسلامية الدعوة الي الإسلام أو العهد أو القتال الركيزة الرئيسية في العلاقات الدولية وعلي المسلمين ألا يرتضوا الحرب إلا أذا كانت في سبيل الله ، أي لدفع المشركين ولرد المعتدين .
وحددت الشريعة أحكام السلوك في الحرب – وهو ما يعرف بالقانون الدولي الأنساني – فمنعت الإعتداء إبتداء وفي آثناء القتال وقبل القتال ، ونهت عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال والجرحي ورجال الدين ممن لم يتشرك منهم بالقتال.
ونهت أيضا عن قتل من لا يقاتل ولا يشترك في الحرب، وقصرت المقاتلة علي ميدان القتال ، وحظرت التخريب والأفساد إلا أذا أقتضت الضرورة الحربية ، وقالت بمبدأ المعاملة بالمثل ألا أنها قيدت هذا المبدأ بالفضيلة ناهية عن المثلة وإنتهاك الأعراض ، ودعت الي دفن الموتي وعدم تعذيب الجرحي أو الأسري .
- وحددت الشريعة ثلاثة طرائق لإنتهاء الحرب، هي بإستنفاذ أغراضها ، أو بالموادعة ( المهادنة ) أو بصلح داائم .
- وأوصت بالأساري خيرا ودعت إلي أكرام الأسير ، وخيرت أولياء الأمر بين أفدائهم أو أطلاق سراحهم .

- والقانون العام الداخلي بأنواعه الأربعة الدستوري – والجنائي – والمالي – والإداري . بحثه الفقهاء ما بين موسع ومضيق .

- فالقانون الدستوري ، فقد بحثه الفقهاء في مبحث الأمامة والخلافة والبيعة والولاة وشروطهم .وحقوق الناس عليهم ،وفي مباحث العدل والمساواة والشوري.
وهناك كتاب قيم مطبوع لأبي الأعلي المودودي بعنوان تدوين الدستور الإسلامي.

- والقانون الإداري ، فقد عرضت له كتب الفقه بعنوان السياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية ، وقد ألف العلماء في هذا مؤلفات مستقلة ، كالسياسة الشرعية لأبن تيمية ، والأحكام السلطانية لأبي يعلي ، والأحكام السلطانية للماوردي.

- والقانون الجنائي ، مجموع في أبواب خاصة من كتب الفقه تحت عنوان ( الجنايات ، وقطاع الطرق ، والحدود والتعزيرات ) وفيها تفصيل لأنواع الجنايات ، والعقوبات التي تركها من غير تقدير مفوضة الي أولي الأمر من الحكام والقضاة.

- والقانون المالي بحثه الفقهاء في مواضع متفرقة من كتب الفقه العامة عند الكلام علي الزكاة ، والعشر والخراج ، والجزية والركاز وغيرها، وقد ألف في هذا مؤلفات خاصة مثل كتاب الخراج لأبي يوسف ، وهذا النوع بوجه عام يبحث في تنظيم بيت المال ( خزانة الدولة ) ببيان موارده ، والأموال التي توضع فيه ، والوجوه التي تصرف فيها هذه الأموال .

القانون الخاص بفروعه ،

القانون المدني المنظم للأحوال العينية ، هو قسم من المعاملات في الفقه الأسلامي التي تنظم المعاملات كلها عينية كانت أو شخصية .

- والقانون التجاري ، بحث الفقهاء ما كانوا يحتاجون إليه في زمنهم من أبواب الشركات والمضاربة والتفليس ، ثم جعلوا العرف حكما فيما يجد فيها، لأن التجارة حينذاك لم تكن تشعبت وتعقدت صورها كما هي عليه الآن ، بل كانت سهلة يسيرة .

- وأخيرا نجد قانون المرافعات ، بحثه الفقهاء في أبواب الدعوي والقضاء والشهادة ، وبينوا كيفية رفع الدعوي ، وما يجب إتخاذه من خطوات حتي تنتهي بالحكم فيها، والدعوي الصحيحة التي تسمع والدعوي غير الصحيحة التي لا تسمع أمام القضاء.


0 التعليقات

إرسال تعليق