| 2 التعليقات ]



ليلة بكت فيها العدالة نزاهة القضاء .. وعدالة حمورابى

وفاء اسماعيل
10/07/2011

من أسوأ الأيام التى مرت على مصر وشعبها ، حينما شهدت مصر مواجهة شرسة بين القضاة وبين الدولة فى عهد مبارك المخلوع عام 2006م على أثر كشف عمليات تزوير الانتخابات التشريعية عام 2005م ، ورفع الحصانة عن أربعة من القضاة المشهود لهم بالنزاهة وهم المستشارين هشام البسطويسى وأحمد مكى ، ومحمود مكى ، ومحمود الخضيرى والذى اعتبره البعض عمل انتقامي من قبل النظام لهؤلاء القضاة بسبب حديثهم لوسائل الاعلام عن عمليات التزوير وكشف اسماء القضاة المتورطين فى هذا الامر ، في حين اعتبره البعض اجراء الهدف منه منع القضاة من المطالبة بالاصلاحات الديموقراطية واجراء انتخابات حرة ونزيهة، واستقلال القضاء التام من السيطرة الحكومية ، تطور الامر الى تصميم القضاة على الخروج بمظاهرات احتجاجا على سلوك الدولة ، واذا بعناصر الشرطة المصرية تتصدى لهؤلاء القضاة بقوة وعنف .

أسوأ منظر شاهدته بعينى فى ابريل 2006م هو منظر احد القضاة ويدعى " محمود حمزة " يتم الاعتداء عليه من قبل عناصر مباحث أمن الدولة ، وتقوم بضربه وركله بالأحذية ، منذ هذا اليوم والى هذه اللحظة لم تغب صورة هذا القاضى من أمام عينى ، حينها قال القاضي حمزة في تصريحات لبي بي سي العربية إن أحد عناصر أمن الدولة قام بخطف هاتفه النقال ثم قام آخر بتقييده وسحبه عبر الطريق، وعندما قال لهم إنه قاض ورئيس محكمة ضربوه ومزقوا ملابسه ، فى هذا اليوم رأيت القاضى يبكى حزنا على ما أصابه ، ولا أدرى ان كان العالم كله بكى معه أم لا ، ولكنى أتذكر يومها انى بكيت ليس لأجله فقط ، بل حزنا على امتهان كرامة أخر حصن وأخر ملجأ وملاذ للشعب المصرى ( القضاء ) تحت أقدام الجستابو المصرى .

مبارك خرج يومها بكل برود لينفى أي محاولة من قبل نظامه للتدخل في القضاء المصري، وفي تصريحات لصحيفة الجمهورية قال إنه لا يتدخل في شؤون القضاة وذلك احتراما منه لاستقلال القضاء وإجلالا منه للقضاة ، وكأنه يتحدث من كوكب آخر وعن بلد آخر غير مصر التى أهين فيها القضاة وتم سحلهم أمام شاشات العالم .

عندما قامت الثورة المصرية ونجحت فى ازاحة مبارك عن الحكم ، رقصت قلوب المصريين فرحا ، وكاد قلبى يخرج من بين ضلوعى فرحا ومهللا : ها قد انتقمت لكم الثورة أيها القضاة وردت لكم إعتباركم وكرامتكم ، وقد جاء دوركم لتردوا لها ولشعبها إعتباره وكرامته ، شعبها الذى قدم شهدائه من أجل كرامة كل مصرى أهانه مبارك وزبانيته .

كان الأمل يحدونا فى ان يتول القضاء محاكمة القتلة والمجرمين محاكمة عادلة وان يقتص ممن أطلق الرصاص على المتظاهرين ، وممن نهب الأموال ، وممن أفسد الحياة السياسية وزور ارادة شعب بأكمله ، ونسينا كمصريين ان المؤسسة القضائية قد نالت نصيبها من الفساد أسوة بكافة المؤسسات التى تم تشكيلها فى عهد مبارك ، وان القضاة الذين تم تقديمهم لمحكمة تأديبية ورفع الحصانة عنهم كانت احتجاجاتهم زمن مبارك بسبب عدم استقلالية تلك المؤسسة عن السلطة التنفيذية ، وفساد بعض رموزها التى تمتعت بحصانة منحها لها النظام البائد رغم عدم كفائتهم العلمية وعدم درايتهم بالقواعد القانونية ، ويتضح ذلك فى الاحكام التى كانت تصدر لصالح النظام البائد ورموزه والتى لا تتفق مع مبادىء العدل والقانون والحق ، وفى الاحكام التى كانت مثار سخرية وتهكم ومادة للتندر من قبل المصريين خاصة النخب المتخصصة فى القانون .

المستشار الخضيرى اعلن ان الفساد قد طال المؤسسة القضائية وان هناك 300 قاضى معروفين بالاسم متهمين بالفساد ، واى ان كانت مصداقية الخبر الذى نفاه المستشار الجندى وزير العدل والسيد احمد الزند رئيس نادى القضاة الا ان مايجرى ويدور اليوم داخل اروقة المحاكم من مهازل لا يحتاج لنفى أو تأكيد .. بل يحتاج لتفسير .. فحينما يتحول الجانى الى برىء ، والمدعى ( الذى يملك من الأدلة ما يضمن له حقوقه ) الى مجرم يستحق العقاب فلابد ان نتساءل عن مواطن الخلل الذى أصاب الحصن الأخير للشعب المصرى ( القضاء ) ، وعندما نعلم ان معظم الشركات الخاصة والوزارات المتهمة بالفساد لديها جيوش من المستشارين المنتدبين من وزارة العدل للعمل بها وحماية فسادها ، فلابد ان يكون لنا الحق فى نزع صفة النزاهة عن هؤلاء المستشارين ..!!

ورغم كل مظاهر الفساد المستشرى فى طول البلاد وعرضها الا ان الجميع يؤكد على نزاهة القضاء واستقلاليته ، تتساءل لماذا لا يحاكم مبارك على الجرائم التى ارتكبها بحق المتظاهرين والشهداء والمصابين ، ويظل قابعا فى شرم الشيخ يتمتع بالحماية والرعاية بينما يحاكم الثوار امام محاكم عسكرية ؟ يردون عليك باننا لا نتدخل فى القضاء ونثق بنزاهته وعدالته ..!! ولماذا حكمت محكمة الجنايات ببراءة كلا من انس الفقي وزير الإعلام السابق ويوسف بطرس غالي وزير المالية السابق وذلك في قضية اتهامهما بإهدار مبلغ 36 مليون جنيه من أموال الاحتياطات العامة الخاصة بالسلع الإستراتجية للدولة على حملة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، كما حكمت ببراءة وزير الإسكان الأسبق احمد المغربي والمهندس محمد عهدي فضلي الرئيس السابق لمؤسسة أخبار اليوم ورجلي الأعمال الهاربين ياسين منصور ووحيد متولي في قضية اتهامهما بالتربح والإضرار بالمال العام ، ثم تقدم النائب العام عبد المجيد محمود بالطعن على الأحكام الصادرة من محكمة الجنايات التى قضت ببراءتهم ؟!! فيأتيك الرد من مجلس الوزراء : نحن نثق في القضاء المصري وأحكامه ولا نتدخل في إجراءاته..!!

وتتساءل لماذا يخلى سبيل 7 من الضباط المحبوسين احتياطيا بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، على ذمة قضية اتهامهم بقتل 17 متظاهرا وإصابة 300 آخرين بمحافظة السويس خلال أحداث ثورة 25 يناير، ثم يتقدم النائب العام بالطعن فى القرار الصادر من محكمة جنايات السويس ؟ فلا تجد اجابة على سؤالك لتظل متأرجحا بين قرارات المحاكم الجنائية وبين قرارات الطعن من قبل النائب العام ، أو بين نزاهة القضاء وبين الطعن فى نزاهتها ..!!

هل القضاء المصرى بالفعل يتسم بالنزاهة ؟ واذا كان يتسم بالنزاهة .. فلماذا كل هذا العدد الهائل من قضايا الفساد ، وكل تلك الملفات ، وكل هذا العدد من المظلومين ؟ لماذا لا نرى أمام أعيننا سوى القهر والظلم والفساد وتزوير الحقائق والرشى والمحسوبيات فى كل مكان ؟ أين هى العدالة والنزاهة والاستقلالية التى يتشدق بها البعض ونحن نرى القاتل معززا ومكرما والمجنى عليه مهان ومضروب ومدان ؟

اذا كان السادة القضاة وحضرات المستشارين يرفضون التشكيك فى نزاهتهم وعدالتهم ، ويتمسكون بقدسية منابرهم التى تخلى سبيل الجناة وتبرأ اللصوص والمجرمين ، فهذا شأنهم وشأن قوانينهم التى لم تنصف مظلوما ولم تحم مقهورا ولم تردع ظالما ولا لصا ولا قاتلا ..أما المظلوم والمقهور والمحروم فلديه قانون آخر لا نقض فيه ولا استئناف ، واخشى ما أخشاه ان يلجأ إليه كل مظلوم مدفوعا دفعا لإتخاذه حصنا اخيرا وملاذا آمنا..قانون حامورابى ( العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم ) .

وفاء اسماعيل

2 التعليقات

غير معرف يقول... @ 12 يوليو 2012 في 1:38 م

ليلة بكت فيها العدالة نزاهة القضاء

غير معرف يقول... @ 12 يوليو 2012 في 1:39 م

ليلة بكت فيها العدالة نزاهة القضاء

إرسال تعليق